الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: السلوك لمعرفة دول الملوك **
قدم الأمير بدر الدين محمد بن التركماني فلم يقبل عليه السلطان وذلك بسعاية النشو عليه أنه جمع من المباشرات أموالاً جمة وأن متاجره الآن بطرابلس تنيف على مائة ألف دينار وأن عنده من الكتاب من يحقق في جهته مبلغ مائتي ألف وستين ألف دينار أخذها من مال السلطان فنزل ابن التركماني ولزم بيته. وفي تاسع عشر شوال. خلع علي بالشريف عطيفة بن أبي نمي الحسني وكان قد قدم وشكا من أخيه رميثة أمير مكة فأشرف بينهما في الإمرة. وفيها اشتدت العقوبة على أولاد التاج إسحاق وعلى قرموط ورفيقه حتى أظهروا مالاً كثيراً . وأنعم على لؤلؤ بإمرة طبلخاناه وكثرت الخلع عليه من السلطان وعظم البلاء به. وفيها أقام النشو رجلاً لمرافعة الأمير شهاب الدين أحمد بن المحسني والي دمياط بأنه أخرب أساساً قديماً في البحر بين البرجين كانت عليه طلسمات تمنع بحر الملح عن النيل حتى تلفت طلسمات وغلب البحر على النيل فتلفت البساتين وأنه نال من ثمن حجارة هذا الأساس مالاً وفيها قبض النشو على زوجة موسى بن التاج إسحاق وعوقبت وهي حامل عقوبة شديدة على إحضار المال حتى طرحت ما في بطنها ولداً ذكراً وقبض أيضاً على أولاد ابن الجيعان كتاب الإسطبل. وذلك أن النشو كانت له عجائز يتجسسن في بيوت الكبار فبلغنه عن أولاد ابن الجيعان أن نساءه يذكرن كثرة ظلمه وعسفه وأنهن يدعون عليه وبلغنه أيضاً أن أحد أولاد ابن الجيعان يسعى في نظر الجيش والآخر يسعى في نظر الخاص. فطلب النشو كاتب الإسطبل منهم وألزمه بكتابة حساب الإسطبل فامتنع عليه وخاشنة في القول. فسعى به النشو إلى السلطان حتى قال له مشافهة من شباك القصر: " لم لا تعمل حساب الإسطل وتعطيه الناظر يعني النشو فقال: " يا خوند بدل ما تطلب حساب العبي والمقاود اطلب حساب الذهب الذي يدخل في خزائنك " وأغلظ في حق النشو حتى قال له: " ونعمة مولانا السلطان أظهر في جهتك مائتي ألف دينار " فقامت قيامة النشو وانفض المجلس على ذلك. فمازال النشو بأولاد ابن الجيعان حتى سلمهم إلى لؤلؤ فعاقبهم حتى هلكوا وأخذ موجودهم فلم يكتف بذلك فقبض على أقاربهم وألزامهم وصودر جماعة بسببهم. وفيه خلع علي علاء الدين علي بن حسن المرواني الكاشف واستقر في ولاية القاهرة عوضاً عن بلبان المحسني. وتولى المرواني هدم قناطر السباع التي عمرها الظاهر بيبرس على الخليح بين
القاهرة ومصر وزيدت في سعتها عشرة أذرع وأعيدت أحسن ما كانت وركبت السباع التي كانت عليها من عهد الظاهر على حالها. وفيها كثر شغف السلطان بمملوكه ألطنبغا المارديني شغفاً زائداً وقاه فأحب أن ينشئ له جامعاً تجاه ربع الأمير سيف الدين طغي خارج باب زويلة واشترى عدة دور من ملاكها برضاهم. فانتدب السلطان لذلك النشو فطلب أرباب الأملاك وقال لهم: " الأرض للسلطان ولكم قيمة البناء ومازال بهم حتى ابتاعها منهم بنصف ما في مكاتيبهم من الثمن وكانوا قد أنفقوا في عمارتها بعد مشتراها جملة فلم يعتد لهم منها بشيء. وقام المارديني في عمارة الجامع حتى تم في أحسن هندام فجاء مصرفه ثلاثمائة ألف درهم ونيف سوى ما أنعم به عليه السلطان من الخشب والرخام وغيره. وخطب به الشيخ ركن الدين عمر بن إبراهيم الجعبري من غير أن يتناول له معلوماً. وفيها عمرت قلعة جعبر المعروفة قديماً بدوسر وكانت قد تلاشت بعد أخذ المغل لها فلما كملت رتب في نيابتها الأمير صارم الدين بكتوت السنجري نائب الرحبة وفيها وقعت قصة بدار العدل تتضمن الوقيعة في النشو وتذكر ظلمه وتسلط أقاربه على الناس وكثرة أموالهم وتعشق صهره ولي الدولة لشاب تركي. وكان قبل ذلك قد ذكر الأمير قوصون للسلطان أن عميراً الذي شغف به الأمير ألماس قد ولع به أقارب النشو وأنفقوا عليه
الأموال الكثيرة فلم يقبل السلطان فيه قول قوصون أو غيره من الأمراء لمعرفته بكراهتهم له. فلما قرئت عليه القصة قال: " أنا أعرف من كتبها وأستدعي النشو ودفعها إليه وأعاد له ما رماه به الأمير قوصون. فحلف النشو على براءة أقاربه من هذا الشاب وإنما هذا ومثله مما ينقله حواشي الأمير قوصون إليه ليبلغه قوصون إلى السلطان حتى يتغير خاطره ويوقع به وبأقاربه وبكى وانصرف. فطلب السلطان الأمير قوصون وأنكر عليه إصغاءه لما يقال في النشو ونقله للسلطان حتى يتغير عليه مع منفعته به وأخبره بحلف النشو. فحلف قوصون أن النشو يكذب في حلفه ولئن قبض على هذا الشاب وعوقب ليصدقن السلطان في تعيينه من يعاشره من أقارب النشو. فغضب السلطان وطلب الأمير بدر الدين مسعود بن خطير الحاجب وأمره بطلب الشاب وضربه بالمقارع حتى يعترف بجميع من يصحبه وكتابة أسمائهم وألزمه ألا يكتم عنه شيئاً منهم فطلبه ابن خطير وأحضر إليه المعاصير فأملى عليه عدة كثيرة من الأعيان منهم ولي الدولة فخشي مسعود على الناس من الفضيحة وقال للسلطان: " هذا الكذاب ما ترك أحد في المدينة حتى أعترف عليه وإنني أعتقد أنه يكذب عليهم. وكان السلطان حشم النفس يكره الفحش فقال: " يا بدر الدين من ذكر من الدوارين فقال: " والله يا خوند! ما خلى من خوفه أحداً
حتى ذكره. فرسم السلطان بإخراج عمير وأبيه إلى غزة وكتب إلى نائبهما أن يقطعهما خبزاً هناك. واتفق أيضاً أن طيبغا القاسمي من المماليك الناصرية كان يسكن بجوار النشو وله مملوك جميل الصورة فاعتشر به ولي الدوله من إخوة النشو فترصده أستاذه حتى هجم يوماً عليهم وهو معهم فأخد منهم وخرج فبلغوا النشو ذلك فبادر بالشكوى إلى السلطان بأن طيبغا القاسمي يعشق مملوكه ويتلف عليه ماله ثم إنه هجم وهو سكران على بيتي وحريمي وقد شهر سيفه وبالغ في السب. وكان السلطان يمقت على السكر فأمر في الحال باخراج طيبغا ومملوكه إلى الشام منفياً. وفيها قدم إبراهيم ابن السلطان من الكرك يوم الإثنين ثالث ذي الحجة. وفيها أمر السلطان بإنشاء قناطر بناحية شيبين القصر على بحر أبي المنجا فأنشئت تسع قناطر في شعبان وتقدم السلطان إلى الأمراء بحمل الحجارة إليها فحمل كل من الأمراء ما وظف عليه من ذلك وفيها وقع بالمدينة النبوية وباء فكان يموت في كل يوم خمسه عشر بمرض الخوانيق ولم يعهد مثل هذا بالمدينة الشريفة. وفيها بلغت زيادة النيل ثمانية عشر ذراعاً وإحدى عشر أصبعاً فعم نفعه عامة الأراضي
ومات فيها من الأعيان بهاء الدين أبو بكر بن محمد بن سليمان بن حمايل المعروف بابن غانم كاتب السر بطرابلس في ثامن صفر بها. وتوفي الواعظ شمس الدين حسين بن أسد بن مبارك بن الأثير. بمصر يوم الخميس سادس جمادى الآخرة عن أربع وثمانين سنة حدث عن الحافظ عبد العظيم وغيره. ومات الأمير علم الدين سنجر الخازن والي القاهرة وهو معزول يوم السبت ثامن جمادى الآخرة عن نحو تسعين سنة أصله من الممالك المنصورية قلاوون وترقى حتى صار خازناً ثم شاد الدواوين ثم والي ثم استقر والي القاهرة وشاد الجهات فأقام عدة سنين وإليه ينسب حكر الخازن خارج القاهرة على بركة الفيل وكان حسن السيرة ومات عن نحو تسعين سنة وتربته بالقرب من قبة الشافعي بالقرافة. ومات الأمير صلاح الدين طرخان ابن الأمير بدر الدين بيسري بسجنه في الإسكندرية في جمادى الأولى بعد ما أقام به أربع عشرة سنة. وتوفي الحافظ قطب الدين عبد الكريم بن عبد النور بن منير بن عبد الكريم الحنفي وله
تاريخ مصر مقفى وشرح البخاري وشرح السيرة النبوية للحافظ عبد الغني ومشيخة في عدة أجزاء اشتملت على ألف شيخ. وتوفي زين الدين عبد الكافي بن الضياء علي بن تمام بن يوسف بن موسى بن تمام الأنصاري الخزرجي السبكي بالمحلة الكبرى وهو على قضائها وهو والد التقي السبكي. ومات الملك العزيز عثمان بن المغيث عمر ابن العادل أبي بكر ابن الكامل محمد ابن العادل أبي بكر بن أيوب بن شادي بالقاهرة ومولده سنة اثنين وخمسين وستمائة. ومات الأمير طغلق الأشرفي السلاح دار بالقاهرة بعد الإفراج عنه بأسبوع. ومات الصاحب شمس الدين عبد الله واسمه غبريال أبي سعيد بن أبي السرور الأسلمي ناظر الشام بعدما صودر اتضع حاله حتى استجدى من الأمراء ونحوهم و كان النشو يغري به السلطان بأنه يكذب وأن تسلمه أظهر له مالاً كبيراً فاشتملت تركته على ألف درهم وبسببها استطال النشو على السلطان وصار قوله عنده لا ينقض. وتوفي المسند أمين الدين محمد بن إبراهيم بن محمد الخلاطي الوان المؤذن بالجامع الآموي في حادي عشرى ربيع الأول بدمشق سمع بمصر والشام والحجاز وحدث عن جماعة. ومات محمد بن بكتوت الظاهري القلندري بطرابلس في خامس عشر ربيع الأول كان كاتباً
مجوداً ويذكر أنه كتب على ابن الوحيد وكان يضع المحبرة في يده اليسرى والمجلد من كتاب الكشاف للزمخشري على زنده ويكتب منه ما شاء الله وهو يغني ولا يغلط وكان عند المؤيد بحماة مده ثم طرده. وتوفي شيخ الكتابة بهاء الدين محمود بن الخطيب محيي الدين محمد بن عبد الرحيم ابن عبد الوهاب بن علي بن أحمد بن عقيل السلمي المعروف بابن خطيب بعلبك الدمشقي بها في سلخ ربيع الأول عن سبع وأربعين سنة. ومات الأمير مهنا بن عيسى بن مهنا في يوم الإثنين ثامن عشر ذي القعدة بسلمية ودفن بها عن ثمانين سنة وترك ستة عشر ولداً وكان عفيفاً مشكور السيرة. وتوفيت ناصرية إبنة إبراهيم بن الحسين السبكي والدة التقي بعد زوجها زين الدين عبد الكافي السبكي بأربعين يوماً حدثت عن علي بن الصواف ودفنت بالقرافة. وتوفيت زينب بنت الخطيب يحيى ابن الشيخ عز الدين عبد العزيز بن عبد السلام عن سبع وثمانين سنة وقد تفردت بالرواية عن جماعة و قتل ترمشين بن دوار المغل صاحب بلخ وبخارا وسمرقند ومرو وكان قد أسلم وحسن إسلامه وأبطل المكوس وعدل في رعيته وملك بعده بزان.
في المحرم: قدم مملوك المجد السلامي من العراق بكتاب أستاذه وصحبته بيرم رسول بوسعيد فنزلا بدار الضيافة وسافرا يوم الخميس خامس عشريه. وكان الكتاب يتضمن أن بوسعيد مرض فتصدق بمال كثير وكتب بإسقاط المكوس من توريز وبغداد والموصل بواسطة الوزير محمد بن الرشيد وأن سديد الدولة ديان اليهود مر بقارئ يقرأ قوله تعالى: " يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجالاً كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام إن الله كان عليكم رقيباً " فوقف واستعاده قراءتها وبكى بكاء شديدا وقد اجتمع عليه الناس ثم أعلن بكلمة الإسلام فارتجت بغداد لإسلامه وغلقت أسواقها وخرج النساء والأولاد فأسلم بإسلامه ستة من أعيان اليهود وسارعت العامة ببغداد إلى كنائس اليهود فخربوها ونهبوا ما فيها. وفيها تم بناء خانكاه الأمير قوصون بجوار جامعه من داخل باب القرافة وتمت عمارة حمامها أيضاً. فقرر قوصون في مشيختها الشيخ شمس الدين محمد بن محمود الأصفهاني في يوم الخميس ثاني صفر وعمل بها سماط جليل. وفي يوم الخميس تاسع عشر ربيع الآخر: توجه السلطان إلى الوجه القبلي حتى وصل إلى دندرا وعاد فطلع القلعة في يوم الخميس خامس جمادى الأولى وكانت غيبته خمسة وأربعين
وفي يوم الأربعاء سابع عشر ربيع الأول: عزل الأمير سيف الدين بغا عن الدوادارية واستقر عوضه سيف الدين طاجار المارديني ثم أخرج بغا عن إمرة عشرة بصفد في ليلة الجمعة سادس ربيع الآخر. وسببه أن بعض تجار قيسارية جهاركس طرح عليه النشو ثياباً بضعفي قيمتها كما هي عادته فرفع قصة للسلطان على يد بغا وأحضره بغا بين يديه فشكا حاله. فاستدعى السلطان النشو بحضور التاجر وقال له: " كم تشكو الناس منك اسمع ما يقول هذا عنك من طرح القماش عليه بأغلى الأثمان. فقال: " يا خوندا هذا ما يشتكي من أمر القماش لكنه عليه للسلطان مبلغ ثلاثين ألف دينار وقد هرب مني وأنا أتطلبه. وهذا المبلغ من إرث جارية تزوجها التاجر - وهي من جواري الشهيد الملك الأشرف خليل - ماتت عنده وخلفت نحو مائة ألف دينار وما بين جواهر وغيرها فأخد الجميع و لم يظهر السلطان على شيء. ثم التفت النشو إلى التاجر وقال له: " بحياة رأس السلطان ما كنت متزوجاً بفلانة " - يعني الجارية المذكورة - فقال: " نعم!. " فأمره السلطان أن يسلمه لابن صابر المقدم حتى يستخلص منه المال فأخذه ابن صابر وشهره بالقاهرة وعاقبه بالقيسارية مراراً حتى أخذ منه مبلغ خمسين ألف درهم. ثم تحول النشو على بغا وسعى به أنه يأخذ البراطيل وكان السلطان لا يرتشي ويمقت من يرتشي ويعاقبه أشد العقوبة فأثر كلامه عند السلطان حتى أخرجه. وسعى النشو أيضاً
بطقتمر الخازن حتى غير السلطان عليه وأخرجه إلى قلعة حلب نائباً بها في تاسع عشرى رجب. وفي يوم الجمعة عاشر جمادى الآخرة: رسم للأمير سيف الدين أيتمش المحمدي بنيابة صفد عوضاً عن أرقطاي المرسوم بنقله إلى مصر فخلع عليه يوم السبت حادي عشره وودع السلطان يوم الإثنين ثاني عشر رجب. وخرج أيتمش إلى الريدانية ثم رحل منها يوم الخميس خامس عشره فقدم صفد يوم السبت ثامن شعبان. وقدم الأمير أرقطاي إلى قلعة الجبل يوم الأحد سادس عشرى جمادى الآخرة وأنعم عليه بإقطاع أيتمش وتقدمته وأكرمه السلطان. وفيه أخرج بلبان الحسامي والي القاهرة كان - إلى ولاية دمياط ثامن عشره واستقر عوضه في ولاية القاهرة علاء الدين بن حسن المرواني وهو والي الولاة بالوجه البحري يومئذ. وفي ليلة ثالث عشر رجب: قبض على ابن هلال الدولة وعلى ناصر الدين محمد ابن المحسن وأخرجا إلى الإسكندرية بسعاية النشو عليهما. وسببه أن الناس توقفت أحوالهم في القاهرة من جهة الفلوس وتحسنت أسعار الغلال وتعذر شراء الخبز إلا بمشقة. فوجد النشو سبيلاً إلى القول ورمي ابن هلال الدولة بأنه تحول من القرافة إلى جوار ناصر الدين بن المحسني بخط البندقانيين من القاهرة وأنهما يجتمعان ليلاً ويندبان
عدة من العامة لإغلاق دكاكين القاهرة والتعنت في أمر الفلوس وأن ناصر الدين بن المحسني قد باطن جماعة من الحرامية على الفتك بي وأن إقامة الإثنين بالقاهرة توجب فساداً كبيراً. ومازال النشو بالسلطان حتى إخرجهما بعدما قبض عليهما وكان ابن هلال الدولة من ثالث عشر ذي الحجة سنة خمس وثلاثين في الترسيم بالقلعة ثم أخرج بدر الدين والد ابن المحسني وإخوته إلى طرابلس. وفي يوم الثلاثاء ثالث رمضان: دخل الأمير الشريف بدر الدين ودي بن جماز ابن شيحة الحسني أمير المدينة النبوية شاكياً من ابن أخيه طفيل بن منصور بن جماز أنه لم يوافق على ما رسم به من شركتهما في الإمرة. وكان قد رسم في سادس عشر المحرم لودي بنصف الإمرة شركة بينه وبين ابن أخيه طفيل وخلع عليه وكتب له توقيع بواسطة الأمير شرف الدين موسى بن مهنا عند قدومه فقدم طفيل من المدينة في جمادى الأولى ليكون بمفرده في الإمرة فلم يجب إلى ذلك. ثم آل الأمر إلى أن استقر ودي بمفرده في الإمرة بغير شريك وخلع عليه في عاشر شوال وتوجه مع الركب ورسم لطفيل بإقطاع في بلاد حوران بالشام فسكنها بعياله. وفي تاسع شهر رمضان: أنعم على إبراهيم ابن السلطان بإمره ونزل الأمير قوصون والأمير بشتاك به إلى المدرسة المنصورية بين القصرين وعمل مهم عظيم. وألبس الأمير إبراهيم
الشربوش على العادة وشق القاهرة في موكب جليل وقد زينت بالشموع والقناديل حتى صعد القلعة. وفيها رافع التاج كاتب الأمير بكتوت التاج محيي الدين بن فضل الله كاتب السر وولده شهاب الدين أحمد بورقة قرأها السلطان تتضمن أنهما عزلاه بغير علم السلطان. فطلبهما السلطان وأوقفهما عليهما فعرفاه أن هذا كان يكتب الإنشاء بغزة فكتب تواقيع بغيره بذلك بمقتضى قصة مشمولة بالخط الشريف وأحضرا القصة فأخرج الرجل ووجد النشو طريقاً للوقوع في ابن فضل الله فتسلط عليه بالكلام السيئ. وفيها اشتدت وطأة النشو على الناس وابتكر مظلمه لم يسبق إليها. وهي أنه ألزم الصاغة ودار أهل الضرب ألا يبتاع أحد منهم ذهباً بل يحمل الذهب جميعه إلى دار الضرب ليصك بصكة السلطان ويضرب دنانير هرجة ثم تصرف بالدراهم فجمع من ذلك مالاً كبيراً للديوان. ثم تتبع النشو الذهب المضروب في دار الضرب فأخذ ما كان منه للتجار والعامه وعوضهم عنه بضائع وحمل ذلك كله للسلطان. وانحصر ذهب مصر بأجمعه في دار الضرب فلم يجسر أحد على بيع شيء منه في الصاغة ولا غيرها. ثم إن السلطان استدعى منه بعشرة ألاف دينار فاعتذر عنها فلم يقبل عذره ونهره فنزل النشو وألزم أمين الحكم بكتابة ما تحت يده من
مال الأيتام وطلب منه عشرة ألاف دينار قرضاً في ذمته فدله على مبلغ أربعمائة ألف درهم لأيتام الدواداري تحت ختم بهاء الدين شاهد الجمال فأخذها منه وعوضه عنها بضائع. ثم بعث النشو إلى قاضي القضاة تقي الدين محمد بن أبي بكر بن عيسى الإخنائي المالكي في تمكينه من مال أولاد الأمير أرغون النائب وهو ستة ألاف دينار وكانوا تحت حجره فامتنع وقال: " السلطان ما يجل له أخذ مال الأيتام فرد عليه: بأن السلطان إنما يطلب المال الذي سرقه أخوك من خزانة الخاص حيث كان ناظرها فإن الحساب يشهد علي بما سرقه من الخزانة وقام في فورة إلى السلطان ومازال به حتى بعث إلى القاضي يلزمه يحمل المال الذي سرقه أخوه من الخزانة ويقول له: أنت إيش كنت من مملوكي فلم يجد قاضي القضاة بداً من تمكين النشو من أخذ المال. وفيها أمر السلطان أيضاً بتشديد العقوبة على أولاد التاج إسحاق وألزامهم. وفيها تحركت أسعار الغلال من نصف جمادى الآخرة وارتفع القمح من خمسة عشر درهماً الأردب إلى عشرين درهماً ثم إلى ثلاثين درهماً فوقفت أحوال الناس. وارتفع القمح إلى أربعين درهماً فأمسك الأمراء وغيرهم من البيع طلباً للفائدة فخاف السلطان عاقبة ذلك فطلب نجم الدين محمد بن حسين بن على الأسعردي المحتسب وقد بلغ الأردب خمسين درهماً وأنكر عليه
وأقام معه والي القاهرة علاء الدين علي بن حسن المرواني وكان ظالماً غشوماً. فضرب الوالي عدة من الطحانين والخبازين بالمقارع فاشتد الأمر وغلقت الحوانيت بالقاهرة ومصر وتعذر شراء الخبز إلا بمشقة عظيمة. فكتب السلطان بحمل الغلال من غزة والكرك والشوبك وبلاد دمشق وألا يترك بها غلة مخزونة حتى تحمل إلى القاهرة. ونودي بالقاهرة ومصر ألا يباع القمح بأكثر من ثلاثين درهماً الأردب ومن باع بأكثر من ثلاثين نهب ماله وتقدم السلطان إلى الأمراء بألا يخالفوا ذلك. فأمسك مباشرو الأمراء أيديهم عن البيع وصاروا يجلسون بأبواب الشون ولا يبيعون منها شيئاً فاشتد الأمر. وباع السماسرة الأردب بستين وبسبعين خفية وصار الأمراء يخرجون الغلة من الشون على أنها جراية لمخاديمهم وما هي إلا مبيع بما ذكر. فاهتم السلطان بالغلاء وشق عليه ما بالناس من ذلك وعلم أن أكثر الغلال إنما هي للأمراء فطلب ضياء الدين يوسف أبي بكر بن محمد الشهير بالضياء ابن خطيب بيت الآبار الشامي ناظر المارستان وناظر الأوقاف وقد اشتهرت نهضته وكفايته وأمانته وفوض إليه الحسبة بمصر بعد امتناعه منهما وأكد عليه في القيام بما ندبه إليه وخلع عليه في ثالث جمادى الآخرة. ونزل الضياء ومعه الأكز شاد الدواوين إلى مصر فكان يوماً مشهوداً. وأول ما بدأ به الضياء أن ختم
شون الأمراء كلها بعد أن كتب ما فيها من عدة الأرادب وكتب ما يحتاج إليه الأمير من الجراية لمئونته والعليق لدوابه إلى حين قدوم المغل الجديد ثم طلب الشماسرة والأمناء والكيالين وأشهد عليهم ألا تفتح شونة إلا بإذنه. وصار الضياء يركب في كل يوم إلى شونة ويخرج ما فيها فيبدأ بتكفية الطحانين ولا يبيع الأردب إلا بثلاثين درهماً فلم يقدر أحد على بيعه بأكثر من ذلك. ثم بلغ الضياء أن سمساري الأميرين قوصون وبشتاك باعا بأكثر من ذلك فاستدعي الأمير الأكز إلى مصر فضربهما بالمقارع واشهرهما. ثم عرف الضياء السلطان بأمرهما فاشتد غضبه وطلب الأمير قوصون حضرة الأمراء وصرخ عليه: " ويلك أنت تريد أن تخرب على مصر وتخالف مرسومي وسبه ولعنه وشهر عليه السيف وضربه على أكتافه ورأسه وصار يقول: هاتوا أستاداره فسارع النقباء لإحضاره ومن شره غضب السلطان صار يقوم ويقعد ويقول هاتوا أستاداره حتى خرج أمير مسعود الحاجب بنفسه إلى باب القلعة والحاجب الآخر. وارتجت القلعة بأسرها وخاف الأمراء كلهم فلم ينطق أحد منهم لشدة ما رأوا من غضب السلطان. فلم يكن أسرع من حضور قطلو أستادار قوصون فأمر السلطان الأكز بضربه بالمقارع ثم أمر به فبطح بين يديه وضرب خوفاً عليه من إفحاش الأكز في ضربه فلم يتجاسر أحد بعدها من الأمراء أن يفتح شونته إلا بأمر
ثم بلغ الضياء أن الأمير طشتمر الساقي أخرج من شونته أربعمائة أردب فأنكر على ديوانه وحلف أنهم إن لم يعيدوا الأربعمائة أردب إلى الشونة وإلا عرف السلطان ذلك فلما بلغ الأمير طشتمر هذا رد الغلة إلى الشونة. وكتب السلطان إلى ولاة الأعمال أن يركبوا بأنفسهم إلى جميع النواح ويحملوا ما بها من الغلال بحيث لا يدعون غلة في مطمورة ولا مخزن ولا أحد عنده غلة حتى يحمل ذلك كله إلى مصر وتحضر أربابها لأخذ أثمانها عن كل أردب مبلغ ثلانين درهماً ونودي بالقاهرة ومصر: من كان عنده غلة ولا يبيعها نهبت. وكان قد بلغ السلطان أن الأجناد عندهم غلال وهم يبيعونها بالويبة فباع بعضهم بعد النداء وتهاون طائفة منهم فلم يبيعوا شيئاً. فنم عليهم جيرانهم حتى كان منهم من تهجم السوقة الحرافيش عليه وتنهبه ومنهم من يغمز عليه فيأتيه الوالي ويخرج غلته حتى تفرق على الطحانين. وأقيم في كل فرن شاهد لحصر ما يحمل إليه من الدقيق المرتب له وعمل معدل كفاية البلد في كل يوم وفرق القمح فيهم على قدر كفايتهم فسكن ما كان بين الناس من العناء في طلب الخبز ومن ضرب الطحانين والخبازين. فلما كان في آخر شهر رجب: قدم من الشام أربع ألاف غرارة قمح. ثم قدم في أخر شعبان
أحمال كثيرة من بلاد الصعيد وتبعها الحمل في البر والبحر من الشرقية والغربية والبحيرة. وخاف أرباب الغلال على أنفسهم فأخرجوها للبيع حتى إذا أهل شهر رمضان قدمت التراويج في أوائل الحصاد. ووافق ذلك النداء على النيل بالزيادة فعبرت المراكب فيه بالغلال إلى ساحل مصر وزفت بالمغاني وكان الخبز يباع ستة أرطال بدرهم فبيع من الغد ثمانية أرطال بدرهم. فلم ينسلخ لشهر رمضان حتى فرج الله عن عباده ونزل السعر قليلاً قليلاً بعدما ظن كثير من الناس أنه نظير غلاء العادل كتبغا فسلم الله بمنه. وفي يوم الأربعاء رابع عشر شوال: قدم رسل الملك موسى الذي ملك بعد أربا كاؤن ورسول علي بادشاه. فخلع عليهما وأنعم على جماعته بمال كثير. فلما كان يوم الجمعة: ركبوا من القلعة بعد الصلاة ومضوا فزاروا الإمام الشافعي والسيدة نفيسة وعادوا إلى التربة المنصورية بين القصرين فزاروا قبر السلطان الملك المنصور قلاوون وعدوا المارستان وطلعوا إلى القلعة ودقت الكوسات عند نزولهم منها ثم عند عودهم إليها وسافروا في تاسع عشريه. وملخص كتبهم الخبر بموت ملك الشرق القان بوسعيد ابن القان محمد خربندا بن أرغون أبغا ابن عدو الله هولاكو بن طلوخان ابن عدو الله جنكز خان بالباب الحديد وهو متوجه إلى لقاء أزبك خان وأنه قام من بعده أربا كاؤن بن صوصا بن سنجقان بن
ملكتمر بن أريغبغا أخي هولاكو بمساعدة الوزير غياث الدين بن رشيد الدين. فلم يوافقه علي بادشاه حاكم بغداد في الباطن واستمال أولاد سونتاي فلم يوافقوه فجمع على بادشاه المغل عليه وكتب إلى السلطان الناصر يعده بأنه يسلم بغداد ويكون نائباً عنه بها وسأله في إعانته بنجدة على أولاد سونتا تكون مقيمة على الفرات. ففرح السلطان بذلك وأجابه بالشكر وبعث إليه خمسة قواقل وخمسة سيوف. فقوي عزم علي بادشاه وركب إلى أولاد سونتاي فاجتمعوا على الشيخ حسن بن أقبغا أيلخان سبط أرغون بن أبغا بن هولاكو المعروف بالشيخ حسن بك الكبير النوين - بالأردو وعرفوه انتماء علي بادشاه لصاحب مصر ونصرته له. فكتب الشيخ حسن الكبير إلى السلطان يرغبه في نصرته على علي بادشاه ويمت إليه بقرابته من أمه فمطل بالجواب رجاء حضور خبر علي بادشاه. فقدم الخبر بأن علي بادشاه لما ركب لحرب أولاد سونتاي بلغه اجتماعهم والشيخ حسن مع عدة من الأمراء وأن أربا كاؤن هرب لتفلل أصحابه عنه وأشيع عنه أنه قتل. وقوي علي بادشاه بمن أنضم إليه من المغل فسار أولاد سونتاي والشيخ حسن إلى جهة الروم وانفرد علي بادشاه بالحكم في الأردو وأقام موسى بن علي بن بيدو بن طرغاي بن هولاكو على تخت الملك. وفي يوم الأربعاء سابع شوال: تغير السلطان على الأمير الأكز شاد الدواوين وضربه وحبسه
مقيداً. وسبب ذلك أن الأمير قوصون غضب على الأكز من أجل أنه أخرق بقطلو أستاداره عندما باع شماسرة القمح بأزيد من ثلاثين درهماً الأردب فعندما رأه في الخدمة السلطانية سبه فرد عليه الأكز رداً فاحشاً سبه فيه كما سبه فاشتد حنق قوصون منه و هم أن يلكمه فبدر إليه وهم في ذلك وإذا بالسلطان قد جلس وسمع الجلبة فتقدم إليه الأكز وعرف بما فعله سمسار قوصون وضربه له وأن قوصون غضب علي بسبب ذلك وشتمني. فكان من السلطان في حق قوصون ما تقدم ذكره وصار يقول: " إذا كان مملوكي يفعل شيئاً بغير مرسومي ويعترض على أي حرمة تبقي لي وحط على قوصون. فتأخر قوصون عن الخدمة آخر النهار فاستدعاه السلطان بجمدار فوجده محموماً وأقام بالحمى ثلاثة أيام فبعث إليه الأمير بشتاك وطيب خاطره وهو يشكو مما جرى عليه فما زال به حتى دخل إلى الخدمة فأقبل السلطان عليه ووعده بالإيقاع بالأكز. ثم طلب السلطان النشو بعد ذلك وحدثه في أمر الأكز وغض منه فعين النشو له لؤلؤا عوض الأكز وقام عنه وطلب لؤلؤا وعرفه ما دار بينه وبين السلطان وكان لؤلؤ خفيفاً أحمق فوضع من الأكز ودخل من الغد إلى السلطان مع الأكز وأخذ يجبهه بالكلام ويرافعه وينكيه حتى حرج منه وسبه. فغضب السلطان بسبب ذلك وأمر به فضرب بين يديه وقيد وسجن بالزردخاناه وخلع على لؤلؤ عوضه في شد الدواوين وخلع على شمس الدين إبراهيم بن قزوينة ورسم لهما أن يمتثلا ما يرسم به النشو ولا يعملا شيئاً إلا بمشورته ونزلا. فأول ما بدأ به لؤلؤ أن أوقع الحوطة على موجود الأكز وقبض على مباشريه وعاقب موسى ابن التاج اسحاق ونوع عذابه تقرباً لخاطر النشو وعاقب قرموط وطالبه بحمل المال.
|